مجرد حلم ..

مجرد حلم ..

كنت للتو قد عدت من المدرسة .. وعلامات التعب بانت على وجهي .. كنت منهكة جدا ..
خلعت حذائي .. واتجهت فورا نحو غرفتي .. لم ابحث عن أمي كالعادة .. لــ القي عليها التحية .. محملة بهموم المدرسة .. ولــ اسألها ماذا حضرت على الغداء اليوم ..
أدرت المفتاح في القفل ودخلت غرفتي .. رميت حقيبتي على السرير .. ثم فتحت النافذة لتهوية الغرفة .. ألقيت نظرة على نفسي في المرآة .. ثم هممت بمغادرة الغرفة .. دون أن أصلي أو أبدل حتى ملابسي .. رأيت أمي على الدرج .. متجهة إلى الأسفل .. ناديتها قائلة .. ( أمي هيا نذهب لــ - نتسمع - ) .. قالت لي .. ( كيف وأبوك في الغرفة يحتضر .. والشيخ الجليل معه ) .. !!
انصدمت بما قالت .. دقات قلبي تسارعت .. أحسست بأن الأرض تدور بي ..
اتجهت نحو الغرفة مسرعة .. وعندما وصلت عند الباب توقفت .. فالشيخ داخل الغرفة .. وحجابي ليس معي .. فانتظرت .. وانتظرت .. حتى خيل إلي إني واقفة مكاني لساعات .. ولكنها في الحقيقة بضع دقائق ..
وخرج أبي من الغرفة .. نظر إلي قائلا .. ( خرجت أودعكم .. قبل أن يأخذني العجز فلا استطيع ) .. صمت لبرهة .. ثم انهمرت دموعي .. سقطت على الأرض .. أتوسل أبي ليبقى .. قلت له .. ( أبي لاتتركني وحيدة .. من لي سواك في الدنيا .. أرجوك أبي .. كيف لي أن أعيش من دونك ) .. استمريت في البكاء .. راجية أبي بان لايرحل عن الدنيا ..
وصحوت من النوم .. شهقت .. سميت بالرحمن .. وقلت في نفسي .. كان مجرد حلم .. ولكني لم استطع إيقاف عيني من البكاء .. كنت ارتجف .. خائفة جدا .. محتاجة إلى قلب يحتضنني .. ليهمس لي بان كل شيء على مايرام .. وان أبي لن يرحل ..
فزعت من السرير .. خرجت من غرفتي .. تاركة أختي الصغيرة وحيدة .. توجهت نحو غرفة والدي .. ولــ أول مرة .. ادخل غرفتهما دون أن اطرق الباب ليسمحا لي بالدخول .. اقتربت من السرير قليلا .. وبهدوء .. حتى لايستيقظا .. ويلحظا وجودي .. كان أبي وأمي كلاهما بخير ..
أخذت نفسا عميقا .. ثم تذكرت إخوتي .. ( محمد وعلي ) .. ذهبت أتفقدهما .. وكانا أيضا بخير .. عدت إلى غرفتي .. وطبعت قبلة على جبين أختي الصغيرة ( ألاء ) .. وتمتمت .. ( الحمد لله .. الحمد لله ) ..
ولكن .. أنا لم استطع انتزاع فكرة أن والدي وإخوتي .. قد يفارقوني في أي يوم .. في أي لحظة ..
ولكني أدركت .. أن كل دقيقة .. ثانية .. مهمة .. وان الأشياء الصغيرة سواء كانت جميلة أم قبيحة .. وحتى التافهة منها .. سوف نفتقدها يوما ما .. عندما يرحل أصحابها بلا رجعة ..
أدركت كم أحب والدي وإخوتي .. وكم هم مهمين بالنسبة إلي ..
قد لا اتفق معهم في أفكاري .. أرائي .. أسلوبي .. مشاعري .. وطريقتي في عيش حياتي .. وتمضية أوقاتي ..
وقد أتشاجر معهم كل يوم .. وكل ساعة .. في ابسط الأمور ..
ولكن هذا لايهم .. فأنا سأبقى أحبهم .. حتى مماتي ..
ومستعدة بان أضحي بكل ما أملك فداء لهم ..
ولو كان مسوح لي بأن أكون شاكرة لأمر واحد فقط ..
سأكون شاكرة بأنهم ع الأقل .. موجودون في حياتي .. ولو بشكل بسيط ..
قد لايعلمون مارأيته تلك الليلة ..
وماعشتة من لحظات فزع .. وخوف ..
ولا أظنهم يعلمون إني تفقدتهم .. واحدا تلو الآخر ..
ولكن .. هم يعلمون بالتأكيد .. إني أحبهم .. من أعماق قلبي ..
أغمضت عيني .. وحاولت أنا أنام .. ولكني لم استطع .. حاولت وحاولت .. ولكن باءت كل محاولاتي بالفشل ..
حتى طلع الفجر .. فأخذت أجهز نفسي للذهاب للمدرسة كالعادة ..
وتوجهت للأسفل .. وكان أبوي وإخوتي .. يتناولون الإفطار ..
ابتسمت .. وقلت .. ( صباح الخير ) .. ثم جلست بجانب أبي .. ونظرت إليه مطولا .. أتذكر أحداث الأمس ..
نظر إلي قائلا : ( مابك ) .. ارتبكت .. لم اعرف ما أقول .. أأخبره بما حصل .. أم لا ..
صمت قليلا .. ثم أردفت .. ( عيناك ليستا عسليتان ) ..
ابتسم في وجهي بصمت ..