SaD NiGhT •-«[ عضومبدع]»-•
عدد الرسائل : 2418 تاريخ التسجيل : 29/04/2008
| موضوع: كأنـــها لـم تمـطــــر الأحد 1 يونيو - 12:37 | |
| كأنـــها لـم تمـطــــر
أخذت رقبة كريمة في التمايل للأسفل والأعلى، فيما ارتخت جوانب جسدها، حين بدأت عيناها تغفلان عن النظر، فأشغلتها الغفوة عن مشاهدة التلفاز مع زوجها لبضع لحظات، أو هكذا بدت. فبان وجهها نابذاً على ما ثوى عليه من تعب، وأرادت لو أن تمجّه بعيداً عنها، فما ملكت عليه من قوة. حتى رفع زوجها صوت التلفاز ليستمع لأغنية، كان يرددها بكثرة مؤخراً، فأندس صوت الأغنية إلى مسمعها، وتيقظت من غفوتها منتفضة، فأخذت تدور بعينيها في أرجاء الغرفة، وكأنها ما أغمضت عيناً.
ولعلها لن تغفل أكثر مما فعلت، فهي تهيج بتوق غريب، يمليه عليها حدسها، الذي ينبئها بشيء ما، فثمة سوء قادم، وهي لا تريد له أن يكون. فنهضت من مكانها، وهي تحدق في الساعة التي كانت تقترب من الثانية صباحاً، واتجهت نحو النافذة المقابلة لها، وهي تتمايل في خطواتها وتتثاءب. حتى وصلت عند حافة النافذة، فأزاحت جانباً صغيراً من الستار، فقط بالقدر الذي يسمح لإحدى عينيها برؤية ما يجلبه لها الضوء من الخارج، حتى أقرت العين مكانها، وأخذت تتفحص العالم بها. كانت السحب في الخارج تكسي السماء بلون غاضب شديد الحمرة، كمثل ما كسى الضنك صدر كريمة، التي تمنت أن تذرف السماء مطراً غزيراً، عوضاً عن ذلك الوجع المريب فيها.
ولم تكن السماء وحدها ما تريب ليلتها، فكذلك كان المنزل المجاور لبيتها، المغلول بالعتمة، والذي كان مُفتضح الرؤية إليها، إذ كان بمقدورها إبصار ما يجري في باطن فناءه بسهولة، ومن دون أن يلحظها أحد. وربما حدثتها نفسها وهي في تحديقها إليه عن سكانه الغائبين عنه، فقد مضت شهور ولم يرجعوا، بينما بقي الرجل العجوز لوحده. ذلك العجوز الذي لا يفارق المكان إلا مرة في الأسبوع على الأكثر، ويقضي جل يومه في الفناء فوق كرسيه، الذي صنعه له زوجها، حيث كان يخصه بمودة هي أكبر مما قدرت في أيام سابقة، إذ كان دائم الحديث معه، وقد صادف أن رأتهما مرة يتندران ويتضاحكان في الفناء. ورغم ذلك فإنه لم يحدث قط، أن أشركها زوجها بشيء عن حكاية العجوز أو عن أهله، وكأن هنالك ما يكمن في غور ضميره. لكنها سرعان ما تلهت عن تلك الأفكار، حين شق السماء خط ساطع لمع في عينها، فومضت الدنيا معه ومضة سريعة، فأحجمت كريمة عن الصمت الذي كانت فيه، وقالت بلهفة:
- يا صاحب السماوات! لقد أبرقت ثم راحت تستطرد في لهفتها، وهي في ذلك إنما كانت تحث زوجها على مجاراتها في الحديث، حيث لم يزل يصاحب التلفاز في ليلته: - ستهطل السماء مطراً غزيراً هذه الليلة فأجابها بصوت أقل لهفة مما هي عليه: - نعم لابد إنها وقبل أن يتمم جوابه، أرتج المكان بصوت الرعد، فانتفضت كريمة ثانية، أعقبت ذلك بتنهيدة مضطربة، ما لبثت بعدها أن عاودت النظر للخارج، وقد اعتلت وجهها ابتسامة فرح، مما جلبته لها السماء وقالت: - إنها تمطر، تعال وأرمي ببصرك لأقاصي ما يمكن أن يذهب بك، لترى كيف تنهمر قطرات المطر بجنون فرد بتململ وهو يقفل التلفاز: - باستطاعتي أن أسمعه من مكاني وقد كان لذلك الرد أن ينهي ما كان يمكن أن يقال بعده، لولا حديثها عن ما قد تتسع له روحه في هذه الليلة، فتسامرت بالكلام مع نفسها، وهي ترميه خفية لزوجها. حين راحت تصف له ما يمكن للمرء أن يراه في شارع متسخ بالماء والتراب، عن المنازل المجاور، وسكون من فيها، وهو لا يملك إلا أن يصغي، أو يرمي ما يسمع، حتى توقفت عن الكلام لبرهة، ثم قالت وهي مستعجلة في كلامها: - لن تصدق ما تراه عيني، هنالك من يركن سيارته بجانب المنزل المجاور - أوه، رجعوا للمنزل أخيراً فقالت وقد غص صوتها بما ترى: - لا، ليسوا من سكان المنزل، إنهما رجلان ملثمان، لا أستطيع أن أراهما بوضوح، لكنهما يتصرفان بغرابة، ويراقبان المكان بحذر، كما لوكانا لصين فارتسمت على وجهه ملامح الاستنكار مما تقول وسألها: - بما تهذين؟ أنّى لك أن تعرفي بذلك وليس لك علم بأهله؟ ثم يكمل وهو يتوجه ناحيتها: - وكيف ترينهما في بيت لُف بالظلمة؟ فأراد أن يزيح الستار لولا أن أومأت له بأن لا يفعل، كي لا يُكتشف أمرهما، فقد كان الرجلان متنبهان لكل خطوة يقومان بها، ويتلفتان من حولهما قبل أي حركة. فأفسحت له المجال وهي تقول بصوت منخفض وكأنها خائفة من أن تصل كلماتها للرجلين: - تنبعث بعض الأنوار من الشارع، فكيف لا أرى؟ فأمد ببصره ناحية المنزل المجاور، وظل يتتبع حركاتهما بشيء من الصعوبة، وهمهم يقول في عجب: - إنهما يتسلقان السور! - أرأيت! من ذا الذي يخرج متجرداً للمطر في ساعة متأخرة كهذه إن لم يكن طالب سوء؟ فأراد أن يحد من قناعتها بأن قال: - أبطئي من حماستك، فنحن لا نعرف من هما، وليس علينا أن ننظر لأمور غيرنا - وهل ستترك الرجل العجوز هكذا ؟ أولست في ألفة معه؟! - وما تريدينني أن أفعل؟ أأذهب وأطردهم؟ أم أبلغ الشرطة عن أناس لا أعرفهم؟ وبنفس متقلبة ولوامة همهمت بهدوء: - أنت تعرف ما يجري أكثر مني، لكنك خائف ثم رمقها بنظرة حادة وقال بجفاء: - اصمتي يا امرأة، ودعك من ما أنت فيه، يحدث ما يحدث، ويموت من يموت، لا كأنها أمطرت، ولا كأننا رأينا شيئاً .. فأغمضي عينك عما رأت.
أثناء ذلك، كان الرجلان قد تحصنا بالحذر لكل خطوة وحركة يقومان بها قبل تسلقهما السور، وابعد من هذا، إنهما بقيا أياماً يجدّان التدقيق والفحص في هذه المنطقة، كما تمحصا جمعاً من المنازل التي قد خلت من أهلها، أو خف التواجد فيها. حتى أطمأنت نفسيهما لبعض من تلك المنازل. وقد حلا لهما أن يقدما منزل العجوز على غيره، لمّا وجداه خالياً من أهله، فأقحما أملهما فيه تلك الليلة، رغم المطر، ودخلا عبر النافذة المجاورة للباب الخلفي.
وقتها كان الرجل العجوز نائماً في سريره، ملتحفاً بأغطية من رأسه، حتى قاع قدميه، اتقاء للبرد. أما اللصان، فمنذ ساعة دخولهما المنزل، وبعد أن مسحا رشات المطر من عليهما، باشر كلاً منهما بإضاءة مصباحه الخاص، ليكون الضوء خافتاً، وغير مثير للشبهات. فشرع الأول يبحث عن ما تريد نفسه في زوايا المنزل التي أمامه، فيما توجه زميله الثاني للأعلى، ليحصد فيه الغنائم الأكثر. بدأ الاثنان يسطوان على ما اتفقا عليه، وهو كل ما خف حمله، وغلا ثمنه، على أن ينتهيا من العمل في الوقت المحدد، ويتقابلا عند نقطة البداية. كانت أمورهما تسير بحسب ما اتفقا عليه تماماً، وقد بدت حركاتهما خالية من الارتباك. ساعدهما في ذلك، ما تفحصا منه قبل أيام، وقت ما علما بغياب سكان البيت عنه منذ فترة طويلة.
تلك كانت حالهما، حتى بدأ العجوز يتقلب في منامه، وتزداد حركته، إذ كان ذو نوماً خفيف، وأي ضجة قد تؤرق نومه. خاصة في الشتاء، حيث تكون الأصوات في الخارج مسموعة، وقد أرتاب من أصوات كان يحسها في منزلها، راحت تتعاظم في أذنه، والتي قد حسبها ما تأتي به نفسه من خوف، أو ما يجلبه المطر من رهبة. لكن الأمر طال عليه، فلم يعد في حالة تمكنه من المكوث أكثر، فقام بإسم الرب، ليجلو بصيرته. وفيما كان العجوز يهم بالخروج من غرفته، محصناً نفسه بسكين، وصل اللص المرابط بالأعلى لإحدى الغرف، وبدأ بالبحث عن ما جاء إليه، حتى شعر بمن يتجول في الممر، لكنه لم يوليه أهمية تذكر، فمن عساه يكون غير زميله؟ إلا إنه تصلب في مكانه حين وضع العجوز يده فوق كتفه، وكأن غريزته تنذره بما هو شؤم، فبقي لحظات خاطفة مثخن بالوساوس، حتى رتق أشتات جرأته، واستدار خلفه فإذ به رجل عجوز، قد بان عليه الغضب والخوف معاً، ولم يكد يتحرك بجسده، حتى هوى العجوز بسكينه على اللص، فأوقع منه مصباحه، لكنه لم يصبه. فأهتاج اللص عليه، وطرحه أرضاً. فلم تملك يد العجوز من شيء إلا الصراخ، وهذا ما لم يمكنه اللص إياه، إذ خنق صرخته بأن أطبق عليه بقطعة ثياب، كان قد تحسس وجودها بالقرب منه، ولشدة ما ألم بالشاب من هلع، أخذ يصرخ بأعلى ما فيه وهو يستنهض بزميله: - مصطفى .. مصطفى تعال .. تعال إلى هنا بسرعة
كان العجوز يحاول الفكاك من قبضة اللص، أو لأن يميط لثامه، لكنه كان أوهن من أن يجاري قوة ذلك الشاب، وإن كان في حالة، هي أزرى من ضعف العجوز، فظل اللص مرتعشِ الجسد، ومشدداً على قبضته للعجوز، لا يكل الصراخ، حتى اقترب زميله، وهو على غير هدى من مكانه، فأخذ يصرخ: - أين أنت؟ - أنا في إحدى الغرفة، أسرع .. أسرع وحالما وصل عند باب الغرفة، ووجه مصباحه على ما بداخلها، حتى أفزعه ما رأى فأعتلى صوته: - ما الذي تفعله؟! فرد صاحبه مفزوعاً، وقد كان البرق يومض في المكان: - لا أدري من أين جاء هذا العجوز .. سيقتلني إذا تركته ثم وقد انفلتت منه موازين قواه: - ماذا أفعل؟ فأقترب الرجل من صاحبه، وشد على أرجل العجوز كي لا يفر من بين أيديهما وهو يقول: - لا تتركه يفر منك مهما حصل وبقي الاثنان جاثمين على العجوز، حتى استشعرا سكون جسده، فارتدت أيديهما عنه بمقدار ما تباطأت به نبضات قلبه. حينها همّ الشاب بالكلام وقد صعب فهمه لشدة ارتعاش صوته: - لقد مات ثم وقد غصت المرارة في حلقه: - يا إلهي، لقد مات .. مات فصك زميله على أسنانه وقال في هذي: - أنت غبي، كيف لم تكتشف وجود الرجل في المنزل وقد كان مكانه قريب منك؟ - ومن أين لي أن أعرف بوجوده؟ لقد راقبنا المنزل أياماً ولم نرى من يسكنه، كيف لي أن أعرف بأن ذلك سيحدث؟! - يجب أن نخرج من هنا بسرعة، فلعله لم يمت، أجعلني أوجه ضوء المصباح إليه لأعرف فصاح به زميله: - لا لا تفعل ذلك، لا أريد رؤية وجهه وإلا مت من بعده، أريد الخروج فقط، وإن كان بدون شيء وقد غضب مصطفي لقول صاحبه فأشتد في حديثه إليه: - لا تتحامق معي فقد لا يكون ميتاً، هيا أسرع بلم ما بعثرت من حاجيات لنخرج من هنا بسرعة
هكذا جرى أمرهما، ورحلا مسرعين من المنزل، كما رحل المطر، لكن ليس كما كان عليه من التنظيم والحذر، وإن احتفظ مصطفى ببعض الهدوء والرجاحة، فحاول أن يخرج من المنزل وقد زالت أثاراهما عنه، رغم أن الأمر لا يخلو من الزلة والهفوة.
في تلك الليلة بقيت كريمة ساهرة القلب والعقل، فهي لا تعرف ما الذي جرى من بعد أن تسلق الرجلان السور، ولا من هما، وما الذي حدث في شأن الرجل العجوز. لكن ما الذي بإمكانها أن تفعله الآن، وقد يكون الأمر انتهى، فإذا كانا لصين كما تظن، فإنهما بلا ريب سيلوذان بالفرار من المنزل حالما يعلمان بأمر العجوز. نعم، هكذا الأمور أفضل، إلا إنها ترجع لترمي بأثقال لومها على زوجها الذي رفض أن يجعل لنفسه مكاناً في هذه الحادثة، التي كان من الممكن أن ينجو منها العجوز، وبدلاً من ذلك، ها هو راقد بسلام فوق فراشه، في حين ظلت هي تجيء وتروح بين فكرة وأخرى. حتى طلع عليها الفجر، وأوشكت الشمس على الظهور من بين السحب المدحورة. فأرادت أن تطمئن على ما حدث للعجوز، فأسرعت توقظ زوجها الذي مل إلحاحها عليه. وقد كان من ديدنها أن تهزه ببعض القوة لثقل نومه، بيد إنها في ذلك اليوم قد احتاجت لأكثر من القوة، وقد فعلت ذلك مرات ومرات إنما لم ينهض، لأنه كان قد مات! | |
|
!sodfa •-«[ عضومبدع]»-•
عدد الرسائل : 2862 العمر : 34 الموقع : السعوديه المزاج : رآآآيقهـ.. تاريخ التسجيل : 29/04/2008
| موضوع: رد: كأنـــها لـم تمـطــــر الأحد 1 يونيو - 13:10 | |
| | |
|
SaD NiGhT •-«[ عضومبدع]»-•
عدد الرسائل : 2418 تاريخ التسجيل : 29/04/2008
| موضوع: رد: كأنـــها لـم تمـطــــر الأحد 1 يونيو - 15:16 | |
| | |
|
الزين كله •-«[ عضومبدع]»-•
عدد الرسائل : 1214 العمر : 37 الموقع : "السـعـوديـهـ" تاريخ التسجيل : 24/04/2008
| موضوع: رد: كأنـــها لـم تمـطــــر الخميس 5 يونيو - 12:27 | |
| | |
|
SaD NiGhT •-«[ عضومبدع]»-•
عدد الرسائل : 2418 تاريخ التسجيل : 29/04/2008
| موضوع: رد: كأنـــها لـم تمـطــــر الخميس 5 يونيو - 13:59 | |
| | |
|